فصل: الحديث السَّابِع عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع عشر:

أَنه قَالَ: «من سمع النداء فَلم يَأْته فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر. قيل يَا رَسُول الله، وَمَا الْعذر؟ قَالَ: خوف أَو مرض».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث أبي جناب الْكَلْبِيّ، عَن مغراء الْعَبْدي، عَن عدي بن ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من سمع الْمُنَادِي فَلم يمنعهُ من اتِّبَاعه عذر- قَالُوا: وَمَا الْعذر؟ قَالَ: خوف أَو مرض- لم يقبل الله مِنْهُ الصَّلَاة الَّتِي صَلَّى».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي سنَنه كَذَلِك.
وَأَبُو جناب- بِالْجِيم- هَذَا ضَعِيف مُدَلّس، كَمَا قَدمته فِي الْبَاب السالف قبل هَذَا، وَقد عنعن فِي هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ عبد الْحق: هَذَا الحَدِيث يرويهِ مغراء الْعَبْدي، وَالصَّحِيح فِيهِ مَوْقُوف، ومغراء الْعَبْدي رَوَى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق.
وَاعْتَرضهُ ابْن الْقطَّان قَالَ: لَيْسَ الشَّأْن فِي مغراء الْعَبْدي؛ فَإِنَّهُ لم يثبت فِيهِ مَا يتْرك بِهِ حَدِيثه، رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَلَا يحفظ فِيهِ لأحد تجريح، عَلَى أَن الْكُوفِي قَالَ- فِيمَا حَكَاهُ أَبُو الْعَرَب-: لَا بَأْس بِهِ. إِنَّمَا عِلّة هَذَا الْخَبَر يَحْيَى ابْن أبي حَيَّة الْكَلْبِيّ المكنى أَبُو جناب فَإِنَّهُ يضعف، وَيُوجد لِأَحْمَد فِيهِ التوثيق، وَلَكِن مَعَ وَصفه بالتدليس وَهُوَ عِنْدهم مَشْهُور بِهِ.
قَالَ ابْن نمير: هُوَ صَدُوق، وَلَكِن فَشَا فِي حَدِيثه التَّدْلِيس وَهُوَ لم يقل فِي هَذَا الحَدِيث: ثَنَا مغراء، فَهَذَا هُوَ المتقى مِنْهُ.
قلت: وَكَذَا ضعفه بِهِ من الْمُتَأَخِّرين ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه، فَقَالَ فِي «تَحْقِيقه»: أَبُو جناب وَهُوَ ضَعِيف. وَالنَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب والْخُلَاصَة فَقَالَ: هُوَ من رِوَايَة أبي جناب وَهُوَ مُدَلّس ضَعِيف، وَقد عنعن.
ثمَّ قَالَ عبد الْحق: عَلَى أَن قَاسم بن أصبغ ذكره فِي كِتَابه فَقَالَ: نَا إِسْمَاعِيل القَاضِي، نَا سُلَيْمَان بن حَرْب، نَا شُعْبَة، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر» قَالَ: وحسبك بِهَذَا الْإِسْنَاد صِحَة.
وَاعْتَرضهُ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: هَكَذَا أوردهُ وَلَيْسَ فِي كتاب قَاسم: «إِلَّا من عذر» فِي الْمَرْفُوع، إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَوْقُوف- وَتبع عبد الْحق فِي ذَلِك أَبَا مُحَمَّد بن حزم، وَهَذَا نَص مَا ذكره قَاسم بن أصبغ وَمن كِتَابه نقلت: نَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق، نَا حَفْص بن عمر وَسليمَان بن حَرْب وعَمْرو بن مَرْزُوق، عَن عدي بن ثَابت عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ» إِلَّا من عذر قَالَ إِسْمَاعِيل: وَبِهَذَا الْإِسْنَاد رَوَى النَّاس عَن شُعْبَة، وثنا بِهِ أَيْضا سُلَيْمَان عَن شُعْبَة بِإِسْنَاد آخر: نَا سُلَيْمَان، نَا شُعْبَة، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ» نَا بِهَذَا سُلَيْمَان مَرْفُوعا، ونا بِالْأولِ مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس. هَذَا نَص مَا عِنْده، فَالْمَرْفُوع عِنْده إِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة شُعْبَة، عَن حبيب، لَا عَن عدي، وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَة: «إِلَّا من عذر» فَحمل الحَدِيث الْمَرْفُوع عَلَى الْمَوْقُوف فِي أَن هَذِه الزِّيَادَة فِيهِ، وَنسبَة ذَلِك إِلَى قَاسم بن أصبغ خطأ، نعم هِيَ فِي الحَدِيث الْمَرْفُوع، وفِي رِوَايَة عدي بن ثَابت عِنْد غير قَاسم من رِوَايَة هشيم عَن شُعْبَة رَوَاهَا بَقِي بن مخلد من حَدِيث عبد الحميد ابْن بَيَان- أحد أَشْيَاخ مُسلم- عَن هشيم بِهِ بِلَفْظ: «من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر» وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا كَذَلِك، وَأَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِيمَا جمع من حَدِيث عَلّي بن الْجَعْد، بعد أَن ذكر رِوَايَة شُعْبَة الْمَوْقُوفَة، من حَدِيث عَمْرو بن عون عَن هشيم وَابْن الْمُنْذر أَيْضا بِلَفْظ: «فَلم يَأْته» بدل «فَلم يجبهُ». قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث وَكِيع وَعبد الرَّحْمَن عَن شُعْبَة مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس غير مَرْفُوع.
قلت: وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث عبد الحميد أَيْضا.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: فِي إِسْنَاده نظر. وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى كَونه رُوِيَ مَوْقُوفا أَيْضا.
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه أَيْضا وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ قَالَ: حَدِيث قد وَقفه غنْدر وَأكْثر أَصْحَاب شُعْبَة، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ، وَالَّذِي وَصله ثِقَة، وَإِذا كَانَ الْوَاصِل ثِقَة فَالْقَوْل قَوْله. ثمَّ ذكر لَهُ شَوَاهِد ومتابعات مِنْهَا طَرِيق أبي دَاوُد السالفة. ثمَّ قَالَ: وَقد صحت الرِّوَايَة فِيهِ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث أبي حُصَيْن، عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن أَبِيه: «من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ» ثمَّ ذكره بِإِسْنَادِهِ.
قلت: ورُوي من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: «لَا صَلَاة لمن سمع النداء ثمَّ لم يَأْتِ إِلَّا من عِلّة».
رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه، وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي كناه، وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد مُؤذن بني شقرة وَهُوَ مَجْهُول، وَقَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر، وَأغْرب ابْن السكن، فَأخْرجهُ فِي صحاحه من هَذَا الْوَجْه.

.الحديث الخَامِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا ابتلت النِّعَال فَالصَّلَاة فِي الرّحال».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده عَلَى هَذَا النمط الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب الْبَيَان، وَلم أَجِدهُ بعد الْبَحْث عَنهُ كَذَلِك فِي كتاب حَدِيث.
وَتَبعهُ أَيْضا ابْن الفركاح فَقَالَ فِي «إقليده»: لم أَجِدهُ فِي الْأُصُول، إِنَّمَا ذكره أهل الْعَرَبيَّة.
قلت: وَهُوَ مَوْجُود بِمَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَدْرك للْحَاكِم أبي عبد الله من حَدِيث نَاصح بن الْعَلَاء، حَدثنِي عمار بن أبي عمار قَالَ: «مَرَرْت بِعَبْد الرَّحْمَن بن سَمُرَة يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ عَلَى نهر يسيل المَاء مَعَ غلمانه ومواليه، فَقلت لَهُ: يَا أَبَا سعيد، الْجُمُعَة. فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ مطر وابل فصلوا فِي رحالكُمْ» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ وناصح بن الْعَلَاء هَذَا بَصرِي ثِقَة، إِنَّمَا المطعون فِيهِ نَاصح أَبُو عبد الله المحلمي الْكُوفِي فَإِنَّهُ رَوَى عَن سماك بن حَرْب الْمَنَاكِير.
قلت: وَالْأول مطعون فِيهِ أَيْضا قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف. وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيّ. وَقَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد. وَأما ابْن الْمَدِينِيّ وَأَبُو دَاوُد فوثقاه.
وَرَوَى عبد الله بن أَحْمد هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أَبِيه بِهَذَا السَّنَد دون الْقِصَّة وَهَذَا لَفظه: عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: إِذا كَانَ يَوْم مطر وابل فَليصل أحدكُم فِي رَحْله».
وَفِي الْمسند أَيْضا: ثَنَا بهز، حَدثنَا أبان، نَا قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم حنين فِي يَوْم مطير: الصَّلَاة فِي الرّحال».
وَقد علمت مَا فِي هَذِه التَّرْجَمَة للحفاظ فِيمَا أسلفته لَك فِي أَوَاخِر صفة الصَّلَاة.
وَفِي الْمسند أَيْضا وسنَن أبي دَاوُد والنَّسَائِيّ وابْن مَاجَه وصحيحي ابْن حبَان وَالْحَاكِم من حَدِيث أبي الْمليح، عَن أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه شهد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن الْحُدَيْبِيَة فِي يَوْم الْجُمُعَة وأصابهم مطر لم تبتل أَسْفَل نعَالهمْ فَأَمرهمْ أَن يصلوا فِي رحالهم». هَذَا لفظ أبي دَاوُد وَالْحَاكِم.
وَلَفظ ابْن حبَان: «كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن الْحُدَيْبِيَة وأصابنا مطر لم يبل أَسْفَل نعالنا، فَنَادَى مُنَادِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن صلوا فِي رحالكُمْ».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَصَابَنَا مطر بحنين فَنَادَى مُنَادِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن صلوا فِي الرّحال».
وَلَفظ أَحْمد «أَن يَوْم حنين كَانَ مطيرًا فَأمر عَلَيْهِ السَّلَام مناديه أَن الصَّلَاة فِي الرّحال».
وَفِي لفظ لَهُ: «كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحُدَيْبِية فأصابنا مطر لم يبل أَسْفَل نعالنا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: صلوا فِي رحالكُمْ».
وَلَفظ البَاقِينَ بِنَحْوِهِ.
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد واحْتج الشَّيْخَانِ برواته.
قلت: وَهَذَا الْمَعْنى ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ من طَرِيقين:
أَولهمَا: من حَدِيث نَافِع «أَن ابْن عمر أذن بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَة ذَات برد وريح ومطر فَقَالَ فِي آخر ندائه: أَلا صلوا فِي رحالكُمْ أَلا صلوا فِي الرّحال، ثمَّ قَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمر الْمُؤَذّن إِذا كَانَت لَيْلَة بَارِدَة أَو ذَات مطر فِي السّفر أَن يَقُول: أَلا صلوا فِي رحالكُمْ» وَهَذَا السِّيَاق لمُسلم.
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نَادَى بِالصَّلَاةِ بضجنان».
وَلَفظ البُخَارِيّ «أَن ابْن عمر أذن بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَة ذَات برد وريح ثمَّ قَالَ: أَلا صلوا فِي الرّحال. ثمَّ قَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمر الْمُؤَذّن إِذا كَانَت لَيْلَة ذَات برد ومطر يَقُول: أَلا صلوا فِي الرّحال».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام: وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «نَادَى مُنَادِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فِي الْمَدِينَة فِي اللَّيْلَة الْمَطِيرَة، والغداة القرة».
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنه قَالَ لمؤذنه فِي يَوْم مطير: إِذا قلت: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَلَا تقل: حَيّ عَلَى الصَّلَاة، قل: صلوا فِي بُيُوتكُمْ. فَكَأَن النَّاس استنكروا ذَلِك فَقَالَ: أتعجبون من ذَا؟ قد فعل ذَا من هُوَ خير مني، إِن الْجُمُعَة عَزمَة، وَإِنِّي كرهت أَن أخرجكم فِي الطين والدحض».
وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِن ذَلِك كَانَ ليَوْم جُمُعَة». وَقَالَ: «فعله من هُوَ خير مني- يَعْنِي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» وَفِي أُخْرَى خَطَبنَا ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي يَوْم ذِي ردغ وَلم يذكر الْجُمُعَة.
وَله طَرِيق ثَالِث فِي مُسلم خَاصَّة من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خرجنَا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فمطرنا فَقَالَ: ليصل من شَاءَ مِنْكُم فِي رَحْله».
فَائِدَة: فِي بَيَان الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي رِوَايَة الرَّافِعِيّ وَالْأَحَادِيث الَّتِي أوردناها: النِّعَال هَل هِيَ الَّتِي يمشى عَلَيْهَا أَو الأرجل والْأَقْدَام أَو الْحِجَارَة الصغار الَّتِي تكون فِي الطَّرِيق؛ فَإِنَّهَا تسمى بذلك، فِيهِ ثَلَاثَة أوجه حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَكَى القَاضِي حُسَيْن وَجها رَابِعا أَنَّهَا وَجه الأَرْض. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: النَّعْل: مَا غلظ من الأَرْض فِي صلابة. قَالَ ثَعْلَب: يَقُول إِذا مُطرت الأَرَضُون الصلاب فزلقت بِمن يمشي فِيهَا- «فصلوا فِي مَنَازِلكُمْ» وَلم يذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي غَرِيبه غَيره.
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: النِّعَال جمع نعل: وَهُوَ مَا غلظ من الأَرْض فِي صلابة، وَإِنَّمَا خصها بِالذكر؛ لِأَن أدنَى بَلل ينديها بِخِلَاف الرخوة فَإِنَّهَا تنشف المَاء.
وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه: ظَاهر حَدِيث أبي الْمليح أَن المُرَاد بالنعال: الَّتِي تلبس فِي الرجل. قَالَ: وَأما الحَدِيث الآخر: «إِذا ابتلت النِّعَال فَالصَّلَاة فِي الرّحال» فأكثرهم قَالُوا: النِّعَال هُنَا جمع نعل وَهُوَ مَا غلظ من الأَرْض فِي صلابة. وَحمله آخَرُونَ عَلَى ظَاهره وَقَالَ: إِذا وَقع شَيْء من الْمَطَر فابتل بِهِ النَّعْل فيعذر بِهِ.
وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث أبي الْمليح. كَذَا ذكر هَذَا الْحَافِظ حَدِيث: «إِذا ابتلت النِّعَال».
وَلم يقره وَكَأَنَّهُ تبع فِي إِيرَاده أَصْحَاب الْغَرِيب كَمَا أسلفته عَنْهُم.
و«الردغ»- فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس- برَاء ثمَّ دَال مُهْملَة سَاكِنة ثمَّ غين مُعْجمَة- وَرَوَاهُ بعض رُوَاة مُسلم: رزغ- بزاي بدل الدَّال مَفْتُوحَة وساكنة- وَهُوَ صَحِيح، وَهُوَ بِمَعْنى الردغ، والردغ والدحض والزلل والزلق بِمَعْنى.
وَقَالَ اللَّيْث: الرزغة أَشد من الردغة.
و«أحرجكم»- بِالْحَاء الْمُهْملَة- يَعْنِي الْمَشَقَّة.
و«عَزمَة»- بِفَتْح الْعين- وإسكان الزَّاي أَي: وَاجِبَة متحتمة، فَلَو قَالَ الْمُؤَذّن: حَيّ عَلَى الصَّلَاة: لتكلفتم الْمَجِيء إِلَيْهَا ولحقتكم الْمَشَقَّة.

.الحديث السَّادِس عشر:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمر مناديه فِي اللَّيْلَة الممطرة وَاللَّيْلَة ذَات الرّيح أَن يُنَادي أَلا صلوا فِي رحالكُمْ».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث ابْن عمر كَمَا أسلفته لَك وَحَدِيث ابْن عَبَّاس وَجَابِر نَحوه كَمَا سلف أَيْضا.
وتنبه لفائدة جليلة وَهِي: أَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «أَلا صلوا فِي الرّحال»
يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ فِي جمَاعَة، وَأَن يكون مَعْنَاهُ فُرَادَى أَو فِي جمَاعَة كَيفَ شِئْت، وَقد أَفَادَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه مَا يرجح الأول، وَأَن بَقِي بن مخلد رَوَى بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه أذن بضجنان فِي لَيْلَة ذَات ريح ومطر، فَلَمَّا فرغ من أَذَانه قَالَ: صلوا فِي رحالكُمْ» قَالَ: وَأخْبرنَا «أَنهم كَانُوا يكونُونَ مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر، فَإِذا كَانَ اللَّيْلَة الْبَارِدَة أَو الْمَطِيرَة أَمر مؤذنه فَنَادَى بِالصَّلَاةِ، حَتَّى إِذا فرغ من أَذَانه قَالَ: نَاد أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا جمَاعَة صلوا فِي الرّحال».

.الحديث السَّابِع عشر:

أَنه قَالَ: «لَا يُصَلِّي أحدكُم وَهُوَ يدافع الأخبثين».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ، من حَدِيث عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم بِلَفْظ: «لَا صَلَاة بِحَضْرَة طَعَام وَلَا وَهُوَ يدافعه الأخبثان» وَفِي أَوله قصَّة، والأخبثان: الْبَوْل وَالْغَائِط.

.الحديث الثَّامِن عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وَوجد أحدكُم الْغَائِط، فليبدأ بالغائط».
هَذَا حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي مسنديهما، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا من رِوَايَة عبد الله بن الأرقم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
وَلَفظ مَالك وَالنَّسَائِيّ: «إِذا أَرَادَ أحدكُم الْغَائِط فليبدأ بِهِ قبل الصَّلَاة».
وَلَفظ الشَّافِعِي كَذَلِك فِي إِحْدَى روايتيه، وَلَفظه فِي الْأُخْرَى كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ سَوَاء.
وَلَفظ أَحْمد: «إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يذهب إِلَى الْخَلَاء وأُقِيمَت الصَّلَاة فليذهب إِلَى الْخَلَاء».
وَلَفظ أبي دَاوُد: «إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يذهب إِلَى الْخَلَاء وَقَامَت الصَّلَاة فليبدأ بالخلاء».
وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وَوجد أحدكُم الْخَلَاء فليبدأ بالخلاء».
وَلَفظ ابْن حبَان: «إِذا وجد أحدكُم الْغَائِط فليبدأ بِهِ قبل الصَّلَاة».
وَلَفظ ابْن مَاجَه: «إِذا حضرت الصَّلَاة والخلاء فابدءوا بالخلاء».
وَلَفظ الْحَاكِم فِي أَوَاخِر بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة: «إِذا حضرت الصَّلَاة وَحضر الْغَائِط فابدءوا بالغائط».
وَلَفظه فِي تَرْجَمَة عبد الله بن الأرقم: «إِذا حضرت الصَّلَاة وبأحدكم الْغَائِط فليبدأ بالغائط».
وَلَفظه فِي أثْنَاء الطَّهَارَة كَلَفْظِ أبي دَاوُد، وَالْكل ذكرُوا فِي أَوله قصَّة وَهِي «أَن عبد الله بن الأرقم كَانَ يؤم أَصْحَابه، فَحَضَرت الصَّلَاة يَوْمًا فَذهب لِحَاجَتِهِ ثمَّ رَجَعَ...» فَذكر الحَدِيث. وَفِي بَعْضهَا «أَنه أَخذ رجلا فقدمه وَقَالَ ذَلِك».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح هَكَذَا رَوَاهُ مَالك بن أنس وَيَحْيَى ابْن سعيد وَغير وَاحِد من الْحفاظ عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن الأرقم. وَرَوَى وهيب وَغَيره عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن رجل عَن عبد الله بن الأرقم.
وَقَالَ فِي علله: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن حَدِيث هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن الأرقم... فَذكره. فَقَالَ: رَوَاهُ وهيب، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن رجل، عَن عبد الله بن الأرقم، وَكَأن هَذَا أشبه عِنْدِي.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: رَوَاهُ مَالك وَغير وَاحِد من الثِّقَات عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن ابْن الأرقم لم يذكرُوا فِيهِ: عَن رجل.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه: رَوَى حَدِيث عبد الله بن الأرقم: وهيب بن خَالِد وَشُعَيْب بن إِسْحَاق وَأَبُو ضَمرَة، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن رجل حَدثهُ عَن عبد الله ابْن الأرقم. وَأكْثر الَّذين رَوَوْهُ عَن هِشَام قَالُوا كَمَا قَالَ زُهَيْر- يَعْنِي عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بِغَيْر وَاسِطَة.
وَقَالَ أَبُو عمر فِي «التَّمْهِيد»: اخْتلف فِيهِ عَن هِشَام، فَرَوَاهُ مَالك كَمَا ترَى- يَعْنِي بِغَيْر ذكر وَاسِطَة بَين عُرْوَة وَعبد الله- وَتَابعه جمَاعَة.
وَقَالَ الْحَاكِم لما أخرجه فِي مُسْتَدْركه فِي أَوَاخِر بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة: هَذَا حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ فِي أثْنَاء كتاب الطَّهَارَة: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَقَالَ فِي تَرْجَمَة عبد الله بن الأرقم: إِنَّه حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ فِي أثْنَاء الطَّهَارَة: لَهُ شُهُود بأسانيد صَحِيحَة مِنْهَا: عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا يحل لرجل يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يُصَلِّي وَهُوَ حقن حَتَّى يتخفف» وَمِنْهَا حَدِيث عَائِشَة السالف.
فَائِدَة: عبد الله بن الأرقم هَذَا من مسلمة الْفَتْح، أحد كتاب الْوَحْي، وَلَيْسَ لَهُ فِي السّنَن غير هَذَا الحَدِيث، وَمن مناقبه مَا ذكره ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار «أَن عُثْمَان اسْتعْمل عبد الله بن الأرقم عَلَى بَيت المَال، فَأعْطَاهُ عمالته ثَلَاثمِائَة ألف فَأَبَى أَن يقبله وَقَالَ: إِنَّمَا عملت لله».

.الحديث التَّاسِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذْ حضر الْعشَاء وأقيمت الصَّلَاة فابدءوا بالعشاء».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من طرق: أَحدهَا من طَرِيق ابْن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا وضع عشَاء أحدكُم وأقيمت الصَّلَاة فابدءوا بالعشاء، وَلَا يعجل حَتَّى يفرغ مِنْهُ. وَكَانَ ابْن عمر يوضع لَهُ الطَّعَام وتقام الصَّلَاة فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يفرغ مِنْهُ وَإنَّهُ ليسمع قِرَاءَة الإِمَام».
ثَانِيهَا: من طَرِيق أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا قرب الْعشَاء وَحَضَرت الصَّلَاة فابدءوا بِهِ قبل أَن تصلوا صَلَاة الْمغرب وَلَا تعجلوا عَن عشائكم» وَفِي لفظ: «إِذا حضرت الْعشَاء وأقيمت الصَّلَاة فابدءوا بالعشاء» وَلابْن حبَان: «بعد عشائكم، وَإِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وأحدكم صَائِم فليبدأ بالعشاء قبل صَلَاة الْمغرب وَلَا تعجلوا عَن عشائكم».
ثَالِثهَا: من طَرِيق عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- بِمثل حَدِيث أنس، وللبخاري فِي بعض طرقه «إِذا وضع الْعشَاء».
وَأما حَدِيث جَابر الْمَرْفُوع: «لَا تُؤخر الصَّلَاة لطعام وَلَا لغيره».
فَهُوَ حَدِيث فِي سنَن أبي دَاوُد، وَإِسْنَاده ضَعِيف بِسَبَب مُحَمَّد بن مَيْمُون المفلج الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، فَإِن البُخَارِيّ قَالَ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ: كُوفِي ليّن وَقَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث جدًّا لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا وَافق الثِّقَات بالأشياء المستقيمة، فَكيف إِذا انْفَرد بأوابد!.
وَأما ابْن معِين فوثقه وأما أَبُو حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَا: لَا بَأْس بِهِ.
وَفِيه أَيْضا مُعلى بن مَنْصُور، وَقد وُثِّق وَأخرج لَهُ فِي الصَّحِيح؛ إِلَّا أَن أَحْمد قَالَ عَنهُ: كَانَ يحدث بِمَا وَافق الرَّأْي، وَكَانَ كل يَوْم يُخطئ فِي حديثين وَثَلَاثَة.

.الحديث العشْرُونَ:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَلا لَا تَؤمَّنَّ امْرَأَة رجلا، وَلَا أعرابيُّ مُهَاجرا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه «فِي سنَنه» مُنْفَردا بِهِ، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، عَن الْوَلِيد بن بكير، عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْعَدوي، عَن عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، تُوبُوا إِلَى الله قبل أَن تَمُوتُوا...» فَذكره إِلَى أَن قَالَ: «وَاعْلَمُوا أَن الله قد فرض عَلَيْكُم الْجُمُعَة فِي مقَامي هَذَا، فَمن تَركهَا فِي حَياتِي أَو بعد موتِي وَله إِمَام عَادل أَو جَائِر اسْتِخْفَافًا بهَا أَو جحُودًا لَهَا فَلَا جمع الله لَهُ شَمله، وَلَا بَارك لَهُ فِي أمره، أَلا وَلَا صَلَاة لَهُ، أَلا وَلَا زَكَاة لَهُ وَلَا حج لَهُ، وَلَا صَوْم لَهُ وَلَا بركَة، حَتَّى يَتُوب، فَمن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ، أَلا لَا تؤُمنَّ امْرَأَة رجلا، وَلَا يَؤُمنَّ أَعْرَابِي مُهَاجرا، وَلَا فاجرٌ مُؤمنا إِلَّا أَن يَقْهَرهُ سُلْطَان يخَاف سطوته وسيفه».
وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ عبد الله الْعَدوي هَذَا أَبُو الْحباب وَهُوَ كَذَّاب، وقَالَ وَكِيع: وَضاع. وَقَالَ خَ: عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحل الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ. وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَخْرِيجه: هَذَا حَدِيث غَرِيب جدًّا وَإِسْنَاده فِيهِ ضعف؛ لحَال عبد الله هَذَا. وَأوردهُ بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظ «سَوْطه» بدل «سطوته».
وَعلي بن زيد بن جدعَان مُخْتَلف فِيهِ كَمَا مَضَى فِي أَوَائِل الْكتاب، وَالْحمل فِي الحَدِيث عَلَى الأول، وَادَّعَى عبد الْحق أَن الْأَكْثَر عَلَى تَضْعِيف عَلّي بن زيد. وَرَوَاهُ مُوسَى بن دَاوُد عَن الْوَلِيد بن بكير فَقَالَ: عَن مُحَمَّد بن عبد الله. قلت: وتابع عبد الله: فُضَيْل بن عِيَاض، رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي كتاب الإغراب من طَرِيق عبد الْملك بن حبيب، عَن أَسد بن مُوسَى وَعلي بن معبد كِلَاهُمَا عَن فُضَيْل، عَن عَلّي بن زيد.
قَالَ عبد الْحق: وَكَذَا رَأَيْته فِي كتاب ابْن حبيب.
قلت: وَالدَّلِيل الصَّحِيح عَلَى الْمَسْأَلَة هُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أبي بكرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لن يفلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة».

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى قَاعِدا وَأَبُو بكر وَالنَّاس خَلفه قيَاما».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَبَا بكر أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا دخل فِي الصَّلَاة وجد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خفَّة من نَفسه، فَقَامَ يهادى بَين رجلَيْنِ وَرجلَاهُ تخطان فِي الأَرْض، فجَاء فَجَلَسَ عَن يسَار أبي بكر، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسا وَأَبُو بكر قَائِما، يَقْتَدِي أَبُو بكر بِصَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويقتدي النَّاس بِصَلَاة أبي بكر» وَفِي لفظ آخر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أُجلس إِلَى جنب أبي بكر، فَجعل أَبُو بكر يُصَلِّي وَهُوَ قَائِم بِصَلَاة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالنَّاس يصلونَ بِصَلَاة أبي بكر» وَفِي آخر:
«وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَأَبُو بكر يسمعهم التَّكْبِير».
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُتَّفق عَلَى صِحَّته: «وَإِذا صَلَّى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ». وَمثله حَدِيث عَائِشَة وَأنس فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَحَدِيث جَابر فِي مُسلم؛ فَقَالَ الشَّافِعِي: إِنَّه مَنْسُوخ بِهَذَا الحَدِيث. وَأَبَى ذَلِك أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَبسط القَوْل فِيهِ بسطًا بليغًا، قَالَ: وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى خلف أبي بكر قَاعِدا» تفرد بهَا نعيم بن أبي هِنْد، عَن أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق عَنْهَا. وَاخْتلف عَلَيْهِ فِيهَا أَيْضا، قَالُوا: وَإِن صحت فَكَأَن ذَلِك مرَّتَيْنِ.